TDK رئيس مجلس الإدارة
المساهمات : 58 تاريخ التسجيل : 14/08/2008
| موضوع: مفهوم الاسطورة...........ماذا تعني؟ السبت أغسطس 16, 2008 2:05 am | |
| محاولة لتعريف الاسطورة
ما هي الاسطورة ؟ إنني أعرف جيداً ما هي ، بشرط ألا يسألني أحد عنها ، ولكن إذا ما سئلت ، وأردت الجواب ، فسوف يعتريني التلكؤ . هذا ما كتبه سنت أوغسطين في ( اعترافات ) هناك من الاشياء ما لا تؤديه الصفة المباشرة ، فحين سئل إسحق الموصلي عن النغم قال : ( إن من الاشياء أشياء تحيط بها المعرفة ولا يدركها الوصف ) .فنحن نعرف جميعا ما الضوء ولكن ليس من السهل أن نقول ما هو. فلذا قال يونغ - وهو أحد تلامذة فرويد - إن كل المحاولات ألتي بذلت لتفسير الاسطورة ، لم تساهم في فهمها ، بل على العكس زادت في الابتعاد عن جوهرها ، وزادت حيرتنا نحوها . فالاسطورة ممتنعة عن الادراك بوصفها متاهة عظمى .
إننا يجب أن ننتبه الى الفروق الدقيقة بين محاولة تعريف وتحديد الاسطورة وبين تفسيرها . فالمتاهة حاصلة في الخلط بين التعريف والتفسير في كثير من الابحاث . إن زئبقية تعريف الاسطورة ناشئة من عدة أسباب ، هي :
1-الاساطير متنوعة في مواضيعها ، فهناك من يرى أنواعها خمسة هي :
أ- الاسطورة الطقوسية : وهي تمثل الجانب الكلامي لطقوس الافعال ألتي من شأنها أن تحفظ للمجتمع رخاءه .
ب-اسطورة التكوين : وهي التـي تصور لنا عملية خلق الكون .
ج- الاسطورة التعليلية : وهي ألتي يحاول الانسان البدائي عن طريقها ، أن يعلل ظاهرة تستدعي نظره ، ولكنه لا يجد لها تفسيراً ، ومن ثم فهو يخلق حكاية أسطورية ، تشرح سر وجود هذه الظاهرة .
د- الاسطورة الرمزية : وهي ألتي تتضمن رموزاً تتطلب التفسير ، ومن المؤكد أن هذه الاساطير قد ألفت في مرحلة فكرية أكثر نضجاً ورقياً .
هـ- أسطورة البطل الاله : وهي التي يتميز فيها البطل بانه مزيج من الانسان والاله ، (ألبطل المؤله ) ألذي يحاول بما لديه من صفات إلهية أن يصل الى مصاف الالهة ، ولكن صفاته الانسانية دائماً تشده الى العالم الارضي .
بينما نجد الدكتور : أحمد كمال زكي يقسمها الى أربعة أنواع هي :
أ- الاسطورة الطقوسية ب- الاسطورة التعليلية
ج- الاسطورة الرمزية
د- التاريخسطورة ، وهي تاريخ وخرافة معاً
هذه التقسيمات تتناول الاسطورة قديما ، فنحن الآن في هذا العصر نمتلك نوعاً جديداً من الاساطير ، ذلك هو الاسطورة السياسية ، التي لعبت وتلعب دوراً في صناعة الايديولوجيات ألتي تخدم أغراضها ، بخلقها الوعي الزائف ، باعتمادها على الظلال السحرية للكلمة ، وهذا ما سنفصل ألقول فيه لاحقاً .
إن تنوع الاساطير ، يؤدي حتماً الى تنوع تعاريفها ، لان كل تعريف يتأثر بنوع الاسطورة ، أو بنوعين أو ثلاثة أنواع ، ولذا يبقى التعريف قاصراً عن أن يكون جامعاً مانعاً .
2- إن تنوع الاساطير أدى الى تنوع المناهج التي تتناول الاساطير بالدراسة ، فلذا ظهرت المناهج التالية :
أ- المنهج اليوهيمري الذي يعد من أقدم تلك المناهج ، ويرى الاسطورة قصة لامجاد أبطال وفضلاء غابرين .
ب-المنهج الطبيعي ألذي يعتبر أبطال الاساطير ظواهر طبيعية ، ثم تشخيصها في أسطورة ، أعتبرت بعد ذلك قصة لشخصيات مقدسة .
ج-المنهج المجازي بمعنى أن الاسطورة قصة مجازية ، تخفي أعمق معاني الثقافة .
د-المنهج الرمزي بمعنى أن الاسطورة قصة رمزية ، تعبر عن فلسفة كاملة لعصرها ، لذلك يجب دراسة العصور نفسها لفك رموز الاسطورة .
هـ-المنهج العقلي ألذي يذهب الى نشوء الاسطورة نتيجة سوء فهم إرتكبه أفراد في تفسيرهم ، أو قراءتهم أو سردهم لرواية أو حادث .
و-منهج التحليل النفسي الذي يحتسب الاسطورة رموزاً لرغبات غريزية وإنفعالات نفسية .
وإن علم الميثولوجيا ، حتى الآن ، لم يصل الى مرحلة النضج التي تؤهل مدارسه المتنافرة ، المتعارضة للاندماج.
3- إن للاسطورة جوانب متعددة ومتنوعة ، فهي إن صح التعبير - كما وصفها البعض أنها متاهة عظمى ، فلذا نجد الكثير ينطلق في تعريفه متأثراً بجانب أو عدة جوانب منها فتبدو التعريفات قاصرة ، وقد نجد العكس حيث يلجأ البعض الى تعابير فضفاضة تمتاز بالتعمية والمطاطية الى حد يفقدها الدقة والتشخيص والتمييز .
4- إن للاسطورة خاصية الشعر الذي يكاد يظل عصيا على أي وصف محدد ، (ولعل صعوبة الحد والتعريف كامنةفي المطلق الذي تنزع اليه الاسطورة أو الذي ينزع اليه الانسان من خلال الاسطورة ، كما قد يكمن في كونها على حد تعبير بعضهم نظاما رمزياً ، وفي أن المنهج أو المنظور الذي يتعين النظر اليه منها لا ينبغي أن يكون جزئياً انتقائياً حيال هذه الحقيقة الثقافية المعقدة ) .ناهيك عن اننا لم نمر بتجربة الاسطورة مروراً مباشراً ، عدا بعض منها ، وهو بعض مشوش الاصل ، متلون الشكل ، غامض المعنى ، والظاهر أنها على الرغم من امتناعها على التفسير العقلاني ، تستدعي البحث العقلاني الذي تعزى اليه شتى التفسيرات المتضاربة ، والتي ليس فيها ، على كل حال ، ما يستطيع تفسير الاسطورة تفسيراً شافياً .
5- إن القدماء انفسهم لم يعملوا على تمييز النص الاسطوري عن غيره، ولاهم دعوه باسم خاص يساعدنا على تمييزه بوضوح بين ركام ما تركوه لنا من حكايا وأناشيد وصلوات وما اليها . ففي بيوت الالواح السومرية والبابلية ، نجد أن النصوص الاسطورية مبعثرة بين البقية . ثم أن عنوان الاسطورة غالباً ما كان يتخذ من سطره الافتتاحي الاول ، شأنه في ذلك شأن بقية النصوص الطقسية أو الملحمية أوالادبية البحتة .وهذا ما حدث في التراث الاغريقي كذلك .
6- إشتراك أجناس أدبية أخرى مع الاسطورة في بعض عناصرها ، مثل الخرافة ، اللامنطق ، اللامعقول ، اللازمكان في بعض الاحيان ، فلذا أرى من الضرورة بمكان ، أن نحاول التوصل الى ايجاد معايير ، يمكن أن نفرق بها بين الاسطورة و تلك الاجناس ، قبل الشروع في محاولة لصياغة تعريفات تختص بالاسطورة دون غيرها . فالخرافة هي الحديث المستملح المكذوب ، وقالوا حديث خرافة ، ذكر إبن الكلبي قولهم حديث خرافة ، أن خرافة رجل من بني عذرة ، أو من جهينة ، إختطفته الجن ، ثم رجع الى قومه ، فكان يحدث باحاديث مما رأى يعجب منها الناس فكذبوه ، فجرى على السن الناس ، وروى عن النبي (ص) أنه قال (وخرافة حق ) وفي حديث عائشة قال لها حدثيني ، قالت ما أحدثك حديث خرافة والراء فيه مخففة ولا تدخله الالف واللام لانه [ أسم خرافة ] معرفة ، وتوضع أل [ الخرافة أو الخرافات ] إذا أرادوا الخرافات الموضوعة من حديث الليل ، أجروه على كل ما يكذبونه من الاحاديث وعلى كل ما يستملح ويتعجب منه وراوي الخرافة والمستمع اليها على حد سواء يعرفان منذ البداية ، أنها تقص أحداثاً ، لا تلزم أحداً بتصديقها ، أو الايمان برسالتها.وهي تختلف عن الاساطير في أن الخرافة تناقلها الناس بلغتهم الدارجة ، في الوقت الذي إحتفظت فيها الاساطير بلغة فصيحة . كما أن الاسطورة ترجع الى ما قبل الاديان ، أما الخرافة فقد ظهرت بعد الوثنية ، ولذا يغلب عليها الطابع التعليمي والتهذيبي والبطل في الحكاية الخرافية يكون نموذجاً متخيلاً بعيداً عن الواقع الى درجة لا يصلح لأن يكون مثالاً يحتذى به على أي صعيد . فالمزج الصبياني بين اللامعقول و الواقع، يتميز في الجني الذي لا يعرف من أي مكان يأتي عندما يفرك علاء الدين المصباح ، وبعد أن ينهي مهمته ، يرجع ولكن لا يعرف الى أين ويقصد بها الامتاع والمؤانسة . ولكنها ذات بنية معقدة ، فهي تسير في إتجاهات متداخلة ، ولا تتقيد بزمان حقيقي أو مكان حقيقي.
أما الحكاية البطولية ، فهي تتسم ببعض ما تتسم به الخرافة من إغراق في الخيال ، وبعدها عن الواقع ، الا أن لها أصلاً في الحقيقة الموضوعية ، ضخّم وبولغ فيه ، وعمل الخيال البشري الخلاق عمله ، غير انه خال من طابع الجد والقداسة ، فهي قصص دنيوية وغير مقدسة ، ومحددة تحديداً زمانياً ومكانياً ، وهو ما يبرر قيام الباحث ، بالعملية العكسية ، أي الصعود من الادب الى الاسطورة .
وان البطل فيها ، ولما يملك من القوة الخارقة ولما يقوم به من تصرفات فروسية ، يشكل صورة مثالية عن الانسان ، وعن ما هو إنساني ، يستثير الرغبة في السامع الى تحقيق هذه الصورة المثالية.
وهناك الحكاية الشعبية التي يميزها هاجسها الاجتماعي بشكل رئيسي عن الحكاية الخرافية والحكاية البطولية ، فموضوعاتها تكاد تقتصر على مسائل العلاقات الاجتماعية والاسرية منها خاصة ، مثل زوجة الاب وحقدها ، وغيرة الاخوات في الاسرة من البنت الصغرى التي تكاد تكون في العادة الاجمل والاحب…الخ.
والحكاية الشعبية واقعية الى أبعد حد وتخلو من التأملات الفلسفية والميتافيزيقية ، مركزة على أدق التفاصيل وهموم الحياة اليومية ، وهي رغم استخدامها لعناصر التشويق ، الا أنها لا تقصد الى إبهار السامع بالاجواء الغريبة ، أو الاعمال المستحيلة ، ويبقى أبطالها أقرب الى الناس العاديين الذين نصادفهم في سعينا اليومي ، وأن البطل فيها يلجأ الى الحيلة والفطنة والشطارة للخروج من المأزق.
إن استخدام العناصر الخيالية - في بعض الاحيان - يهدف الى التشويق والاثارة . أما بنيتها فتمتاز بالبساطة ، فهي تسير في إتجاه خطي واحد وتحافظ على تسلسل منطقي ، ينساب في زمان ومكان حقيقي ، ولها رسالة تعليمية ، تهذيبية ، وذلك مثل جزاء الخيانة ، فضل الاحسان ، مضار الحسد000الخ . | |
|